دٌفنت بقلمها وأحلامها.. ولاء الجعبري قصة صحفية اختُزلت بكاميرا تحت الركام

دٌفنت بقلمها وأحلامها.. ولاء الجعبري قصة صحفية اختُزلت بكاميرا تحت الركام
الصحفية الفلسطينية ولاء الجعبري

لم تكن ولاء الجعبري تحمل سوى كاميرتها وحكايات الناس حين هبط الموت من السماء.. في صباح غزّي اعتيادي، مثقل بالقصف والخوف، كانت الصحفية الفلسطينية تمسك بحلمها وتعد وجبة الإفطار لأطفالها الخمسة، دون أن تدري أن العدسة التي طالما سجلت آلام الناس، ستكون آخر ما يراها العالم منها.

سكنت ولاء في حي تل الهوى جنوب غربي غزة، في منزل متواضع، كان في نظر أطفالها قصرًا صغيرًا تعلوه ضحكاتهم، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، الأربعاء. 

رغم القصف المتواصل، أصرت على البقاء في بيتها، رافضة النزوح مرة أخرى. كانت تقول لزميلاتها: "بيوت المخيمات لا تسع ذكريات أطفالي، سأبقى هنا، حتى لو سقطت السماء".

قصفٌ.. ومجزرة

صباح اليوم، استهدفت غارة إسرائيلية منزل ولاء، لم يكن في البيت سوى ولاء وخمسة من أطفالها، لم ينجُ أحد، تهدّم المنزل على رؤوس ساكنيه، وتحوّلت صور العائلة إلى غبار متناثر على أنقاض الجدران.

أعلن الدفاع المدني في غزة أنهم انتشلوا جثث الصحفية وأطفالها من تحت الأنقاض. لم تكن ملامحهم واضحة، سوى كاميرا محترقة قرب الجسد، بقيت شاهدة على سنوات في المهنة والصمود.

كانت ولاء تعمل منذ أكثر من 12 عامًا في تغطية قضايا اللاجئين والنساء والأسرى. عُرفت بتقاريرها المؤثرة، لا سيما تغطياتها من مخيمات الشاطئ وجباليا خلال التصعيدات الماضية. 

اختارت الصحافة الإنسانية طريقًا، وكرّست صوتها لنقل معاناة المدنيين، كتبت قبل أسابيع منشورًا على صفحتها الشخصية قالت فيه: "نحن لا نملك إلا الكلمة، لكن الكلمة سلاحنا، لن نوثّق الحرب فقط، بل سنروي وجعنا للعالم."

الحياة ثمن للحقيقة

اليوم، تُضاف ولاء إلى قائمة طويلة من الشهداء الصحفيين الذين دفعوا حياتهم ثمنًا للحقيقة، وبحسب النقابة الفلسطينية للصحفيين، فإن عدد الصحفيين الذين استشهدوا في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وصل إلى 232 صحفيًا، وهو أكبر عدد من الصحفيين يُقتلون في منطقة واحدة منذ بدء التسجيلات الحديثة لضحايا الإعلام.

ولم تُعرف بعد أسماء أطفال ولاء في البيان الرسمي، لكن الجيران يقولون إنهم كانوا يلعبون قرب النافذة حين سقط الصاروخ. 

بعضهم كان يرتدي زي المدرسة رغم توقف التعليم منذ شهور، كانوا يستعدون لـ"صف الحلم" الذي كانت تعدهم به أمهم حين تنتهي الحرب.

دفنت غزة، خلال الساعات الماضية، 17 قتيلًا بينهم ولاء وأطفالها، وطفلة أخرى قُتلت في قصف على مخيم الشاطئ. 

وأُصيب 11 آخرون معظمهم من الأطفال في استهداف خيمة نازحين، بينما أعلن مجمع الشفاء الطبي وفاة 21 طفلًا خلال 72 ساعة فقط، بسبب سوء التغذية والمجاعة.

قصف.. وكاميرا مطفأة

أعلنت وزارة الصحة أن عدد ضحايا المجاعة وصل إلى 111، بعد وفاة 10 أشخاص خلال الـ 24 ساعة، وأشارت منظمات غير حكومية أن غزة تواجه خطر "مجاعة جماعية" في ظل استمرار الحصار.

وسط هذا الجحيم، سقطت ولاء الجعبري، ولم تسقط روايتها.. سكتت الكاميرا، لكن صورتها باقية في ضمير كل من شاهد كيف يُقتل الصحفي في بلاده مرتين؛ مرة حين يغيب جسده، ومرة حين يُنسى صوته.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية